في كتابه «التأملات» توصل الفيلسوف ديكارت إلى حقيقة عجز الإنسان عن التفريق بين الحلم الافتراضي والواقع المادي .. ولست متأكدا إن كان هذا الاكتشاف يحتاج الى فيلسوف بحجم ديكارت كون ملايين المراهقين يكتشفون كل ليلة هذه الحقيقة من خلال أحلام جنسية يجدون آثارها في الصباح !!
وبطبيعة الحال جميعنا جرب الحلم بأحداث وتفاصيل لم يعتقد (أثناء حلمه بها) أنها غير حقيقية أو مصطنعة أو تجري في عالم الأحلام فقط.. ولو قُدر لنا النوم لعشرة أو عشرين عاما (مثل حوادث الإغماء الطويلة) لاستمر معنا الحلم دون أن نشك لحظة في عيشنا أحداثا خيالية ذات أبعاد افتراضية مخادعة..
فدماغنا ببساطة قابل للخداع ولا يفرق بين الواقع المادي (المصنوع من الذرات) والحلم الافتراضي (المصنوع من التيارات العصبية أو الوحدات الإلكترونية).. بل أكاد أجزم أنه يفضل «الأحلام» على «الواقع» كونه يشكل الأحداث بالطريقة التي تناسبه وتتواءم معه بشكل أفضل ويعتبرها الأصل والأساس الذي بدأ بتشكيله في رأس الجنين أثناء فترة الحمل...
ويخطئ من يعتقد أن حواسنا الخمس تصبح أداتنا لتمييز الواقع بعد خروجنا من الرحم (والدليل أننا نستغني عنها في الحلم ومع ذلك نحس ونشعر بكل شيء)؛ ففي الحلم يزيحها العقل جانبا ويتكفل باختلاق الأصوات والروائح والمشاهد وصنع المواقع والأحداث التي تناسب «القصة» دون أن نشك لحظة بحقيقتها!!
*** *** ***
واحتمال عيشنا في حلم شخصي طويل شكّل محور فرضيات فلسفية وروايات خيالية تستحق التأمل بالفعل .. فأنا شخصيا لا أنسى القدر الكبير من التساؤلات التي انبثقت في رأسي بعد مشاهدة فيلم ماتركس (Matrix) حيث يعيش البشر في حاضنات اصطناعية تضعهم في عالم افتراضي يعيشون فيه بسعادة مصطنعة .. كما لم أستطع تجاهل الخيار المقدم في فيلم فانايلا سكاي(Vanilla Sky) حيث يصاب البطل بإعاقة خطيرة إثر حادث مروري تموت فيه خطيبته فتتحطم حياته ويصعب عليه العيش في العالم الحقيقي فلا يبقى أمامه غير النوم بقية حياته والعيش في حلم افتراضي جميل (من خلال شركة متخصصة في تنويم المصابين وأصحاب العاهات حتى يجد لهم الطب حلا)!!
والسؤال هنا :
من يضمن أن حياتنا نفسها ليست سوى حلم مماثل وطويل!؟ .. ماذا لو كانت أحلامنا الفردية جزءا من برنامج افتراضي متقن يشترك فيه كافة البشر!؟ .. ألم يقسم المجرمون يوم تقوم الساعة أنهم لم يلبثوا غير ساعة!؟ .. ألم يجزم أصحاب الكهف أنهم لم يلبثوا في كهفهم إلا يوما أو بعض يوم !!
... أما الاحتمال الثاني (عيش كافة البشر في برنامج افتراضي طويل) فيذكرنا بالحياة البرزخية التي يذهب إليها الأموات بعد وفاتهم .. فهل يعلم الأموات فيها أنهم «أموات» !؟ .. هل يعتقدون أنهم يعيشون في واقع مادي ونحن في عالم افتراضي بالنسبة لهم!؟ .. وحين يلتقي أحدنا (خلال الحلم) بأحد أقربائه المتوفين فمن يذهب لمن، وفي أي موقع ومكان يحدث ذلك!؟ .. وحين يؤكد ابن الجوزية إمكانية التقاء روح الحي بروح الميت أثناء النوم عطفا على قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) فمن يعود للموقع الحقيقي ومن يعود للموقع الافتراضي بعد انتهاء اللقاء وإرسال (الأخرى) إلى أجل مسمى!؟
... سأضطر لترك النهايات مفتوحة كي تتأملها بنفسك .. ولكن كن على ثقة بأن من لا يستيقظ من سباته لا يشك في واقعية أحداثه ، وأن عدم تعطل النظام الكوني (أو إصابته بخلل مؤقت) يحول دون تأكدنا من طبيعة الحقائق والأحداث المحيطة بنا !
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
وتذكر قول الله تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد))
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.